هواجس الحكومات الإسرائيلية من  الديموغرافيه الفلسطينية

هواجس الحكومات الإسرائيلية من  الديموغرافيه الفلسطينية

  • هواجس الحكومات الإسرائيلية من  الديموغرافيه الفلسطينية

افاق قبل 5 سنة

هواجس الحكومات الإسرائيلية من  الديموغرافيه الفلسطينية

المحامي علي ابوحبله

ثمة هواجس لاحقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومراكز البحث الإسرائيلية،وفي مقدمتها الهاجس الديموغرافي بفعل الزيادة الطبيعية العالية بين العرب الفلسطينيين، ناهيك عن استمرار الكفاح الفلسطيني بوسائل مختلفة لمواجهة سياسات إسرائيل العنصرية التي طالت الحجر والبشر على امتداد الوطن الفلسطيني وفي الشتات القسري. ولهذا عقد معهد الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية منذ عام 2000 ثمانية عشر مؤتمراً بغية فحص المناعة في «إسرائيل».

وقد أسس لذلك المؤتمر مستشار الأمن القومي السابق الجنرال عوزي أراد، بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد لـ «السلام» مع الفلسطينيين في صيف العام المذكور، والغرض الرئيسي من مؤتمر هرتسيليا الدوري مراجعة السياسات الإسرائيلية للعام السابق، وتحديد السياسات الممكنة للعام القادم ومراحل أخرى قادمة قد تمتد لخمس سنوات أو لعشرين عاماً، وتبعاً لذلك تعتبر استخلاصات وتوصيات مؤتمرات هرتسيليا الدورية بمثابة نقطة ارتكاز مهمة تعتمد عليها الحكومات الإسرائيلية عند اتخاذ قرارات إستراتيجية في مستويات الأمن والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والمفاوضات ومساراتها أيضاً ناهيك عن قرارات الحرب بعد توصيف الأخطار التي تهدد «إسرائيل».

وكان الهاجس الديموغرافي العربي في سلم أولويات تلك المؤتمرات، حيث سجلت توصيات، للحد مما تعتبره «إسرائيل» مخاطر مستقبلية على هويتها اليهودية؛ ولهذا تمً إصدار قوانين إسرائيلية عديدة تمنع التزاوج بين أفراد من الأقلية العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر مع أقرانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذهبت المؤسسات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك محاولة ترسيخ فكرة يهودية «إسرائيل»، وقد عززت تلك التوجهات استطلاعات للرأي جرت في المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، أظهرت أن نسبة كبيرة منها تؤيد طرد الأقلية العربية.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن انعقاد مؤتمرات هرتسيليا تزامن مع بروز مصطلح يهودية الدولة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة بوتيرة متسارعة، وذلك على الرغم من أنه ليس حديث العهد.

وقد حاولت توصيات مؤتمرات هرتسيليا المنعقدة منذ عام 2000 وحتى أيار / مايو من العام الحالي 2018 ترسيخ فكرة يهودية «إسرائيل»، حيث كانت الفكرة المذكورة إحدى ركائز الفكر الصهيوني، وبغض النظر عن أن درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها قد كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، فإن هذا الزخم الكبير لهذه المقولة والذي توج بإصدار قانون القومية أخيراً، يعتبر بحد ذاته عاملاً جاذباً ليهود العالم وخاصة بعد تراجع أرقام الهجرة إلى فلسطين المحتلة خلال العقد الأخير.

وقد بحثت مؤتمرات هرتسيليا أيضاً أوضاع الاقتصاد الإسرائيلي وأهم أزماته من بطالة وديون وتضخم، وأوصت غالبيتها بآليات عمل وتبني سياسات محددة للخروج من الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي أو الحد من تداعياتها على المجتمع الصهيوني، وذلك بغية تحقيق معدلات رفاه اجتماعي واقتصادي مرتفعة ترقى إلى معدلات النمو السكاني الإسرائيلي من جهة وتحافظ في نفس الوقت على عوامل جذب المزيد من يهود العالم إلى الأراضي المحتلة في ظل جفاف العديد من منابع الهجرة اليهودية في أمريكا ودول الاتحاد الأمريكي وكندا.

تراكمت في الآونة الأخيرة جملة كبيرة متزايدة من الإشارات والمعطيات الخطيرة التي تؤكد أن المؤسسة السياسية – الأمنية – الأكاديمية - الإستراتيجية الإسرائيلية فتحت مجددا ملف "الخطر الديموغرافي على إسرائيل" في الوقت الذي أخذت فيه تلك الأصوات المنادية بـ "ترانسفير" جماعي جديد ضد الشعب الفلسطيني، ما يقود إلى التساؤلات الكبيرة المتفجرة المتعلقة بالأجندة الصهيونية الحقيقية تجاه من بقي من عرب فلسطين 1948 أو في الضفة والقطاع.

فحسب المؤشرات الإسرائيلية فإنه ما من موضوع راهن في سياق الصراع يحتشد حوله "إجماع قومي إسرائيلي" أكثر من موضوع "الأرض" و"الديموغرافيا" و"الدولة اليهودية النقية" وكذلك "الترانسفير" وان كانت الأحزاب الكبيرة لا تعلن عنه صراحة.. فهم وفق هذا الإجماع يريدون الأرض كلها يهودية صهيونية بلا سكانها العرب الأصليين، ومن هنا شكلت وما تزال دائما هذه المسألة هاجسا يقض مضاجعهم.

 

لذلك نراهم يطلقون عليها تارة "المشكلة الديموغرافية"، وتارة أخرى "الخطر الديموغرافي" وتارة ثالثة "القنبلة الديموغرافية". والكل في الكيان الصهيوني يجمع على أنها "تشكل تهديداً استراتيجياً داهماً ودائماً لوجود إسرائيل".

 

وقد أطلقوا على أولئك الباحثين والمحللين والمفكرين من الإسرائيليين الذين يفتحون "الملف الديموغرافي" ويثيرون الجدل حوله اسم "أنبياء الغضب الديموغرافي"، ذلك أن عدداً منهم يتنبأون بنهاية الدولة اليهودية، بسبب التكاثر الديموغرافي العربي، وكان في مقدمة هؤلاء وأولهم البروفسور المعروف "الياهو رابينوفتش" الذي تنبأ بـ "خراب إسرائيل" بعد احتلالها للأراضي العربية في حزيران 1967م.وكثر على مدى السنوات الماضية عدد "أنبياء الغضب الديموغرافي"  لدرجة بات يصعب حصرهم!.

وربط الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقالة له حول المسألة ربطا جدليا ما بين ثلاثة هواجس تهيمن على "الخريطة الإدراكية الإسرائيلية" هي:الهاجس الديموغرافي, وهاجس نهاية وجود إسرائيل كدولة يهودية, وهاجس حق العودة وتقرير المصير لملايين اللاجئين الفلسطينيين.

كما تناول المؤرخ الإسرائيلي البروفسور "بني موريس" مشكلة "الخطر الديموغرافي العربي" قائلاً: "فقط إذا واجهت إسرائيل المسائل الحقيقية الجوهرية في الصراع - مثل الديموغرافيا وحق العودة، والاعتراف بحدود إسرائيل الديموغرافية - فإن مستقبل الدولة سيكون مضموناً".

أما كبير الديموغرافيين المختص في "الديموغرافيا اليهودية" البروفسور "سيرجي ديلا فرغولا" فقد تنبأ مبكرا قائلا: "خلال سنوات معدودات سيتحول اليهود إلى أقلية في المساحة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن" و "أن الحل يكمن في تغيير الوضع الديموغرافي لصالح اليهود بصورة ملموسة".

أما البروفسور الديموغرافي الآخر وهو "امنون سوفر" فقد توقع "أن إسرائيل تسير نحو الانتحار" و "أن الحل يكمن في التخلص من السكان وإقامة الجدار.. فهذا يعني النجاة لليهود".. ويقول: "أن السور هو الطريق الوحيد للانتصار على الرحم الفلسطيني، فإذا سقط هذا الجدار سيغمرنا طوفان هائل من الفلسطينيين.. وإذا سقط الجدار سقطت إسرائيل".

وكانت "وثيقة مؤتمر هرتسليا الأول" الذي عقد خلال فترة 19-21 كانون الأول/ 2002 وهي الأخطر في هذا المنطلق قد أوصت المؤسسة الإسرائيلية بإعطاء الأولوية العليا للمشكلة الديموغرافية.

يمكن الإشارة إلى توسيع نمط مفهوم الخطر الديمغرافي في خطاب العديد من الباحثين في الأكاديميا الإسرائيلية ليشمل إضافة إلى العرب اليهود الحريديم واعتبارهم تهديداً على طابع الدولة العلماني الصهيوني.

وفي حالات أخرى يتم التطرق إلى الشرقيين بوصفهم شكلاً من أشكال الخطر وأن لم يتم إظهاره مباشرة كخطر ديموغرافي بل خطر ثقافي على "الثقافة الغربية" للكيان وهو ما يعني عملياً أن "الفئة الصالحة للمواطنة" أو بلغة أخرى الفئة البيضاء والتي لا تشكل خطر هي فئة المجموعة "الاشكنازية الصهيونية العلمانية".

إن الخوف الإسرائيلي الراهن من الخطر الديمغرافي يتكئ على فرضية مؤداها أن السيرورات الديموغرافية التي ظهرت في السنوات الأخيرة ستتواصل على نفس النسق في السنوات القادمة، وان الزمن يعمل في غير صالح إسرائيل على هذا الصعيد. فمصطلح "الخطر الديمغرافي" أو "القنبلة الديموغرافية"،  يستخدم إسرائيليا لتوصيف حالة من التكاثر أو النمو الطبيعي الكبير بين مجموعة إثنية واحدة (والمقصود هنا العرب في إسرائيل) مقارنة بالمجموعات السكانية الأخرى - ذات معدلات التكاثر غير المرتفعة- والتي تنظر إلى هذه الحالة باعتبارها خطرا يهدد الميزان الديمغرافي القائم.

لقد وُضعت أسس هذه السياسة العنصرية  منذ ما أكثر من مائة عام في جوهر وصميم تكوين وفكر الحركة الصهيونية، حيث يقول خبير الديموغرافيا الصهيوني الأبرز، أرنون سوفير إن "المسألة الديموغرافية تشغل الحركة الصهيونية منذ انطلاقتها الأولى، ورافقتها طوال السنوات، منذ قيام دولة إسرائيل وحتى اليوم". فمقولة "الخطر الديمغرافي" باتت تشكل مركباً مركزياً في أية مفاوضات حول ترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل.

ويمكن الحديث حول معنى الخطر الديموغرافي من خلال تحليل دراسة الباحثين والخبيرين الإسرائيليين المعروفين ارنون سوفير ويفغينيا بيستروف، التي صدرت بترجمة عربية عن مركز "مدار" ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية" تحت عنوان "إسرائيل ديموغرافيا 2010-2030: في الطريق نحو دولة دينية!".

 

التعليقات على خبر: هواجس الحكومات الإسرائيلية من  الديموغرافيه الفلسطينية

حمل التطبيق الأن